التاريخ ببساطة
( فتــح مـــصــر)
دوافع فتح مصر
1- الدافع الديني:
يتمثل هذا الدافع في رغبة المسلمين في الاضطلاع بأعباء الدعوة الإسلامية العالمية، وضرورة أداء أمانة تبليغها إلى العالمين لإبراء الذمة أمام الله عز وجل، وقد سبق للمسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم دعوة المقوقس إلى الإسلام سلميا، فقد أرسل له النبي صلَّى الله عليه وسلم الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة، وكذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه أرسل إليه حاطبًا مرة أخرى، وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إليه كعب بن عدي بن حنظلة التنوخي، فما كان من المقوقس إلا أن اكتفي بالرد الحسن.ولما كانت مصر خاضعة للإمبراطورية البيزنطية كان من الضروري مواجهة جند هذه الإمبراطورية على أرض مصر؛ ذلك أنهم يحولون بين المصريين وبين الدخول في الإسلام.
2- الدافع العسكري:
كان هذا الفتح طبيعيا لأن مصر هي الامتداد الطبيعي الجنوبي لفلسطين، كما أن فتح ما فُتِحَ من مدن فلسطينية قد أجهد البيزنطيين، ولابد من ضربة قاصمة لوجودهم في هذه الأماكن الجنوبية فكان ذلك.
ومن ناحية أخرى فإن "أرطبون" قائد بيت المقدس قد انسحب منها بنظام إلى مصر لإعادة المقاومة، ودفع المسلمين عن الشام ثانية، ولذلك استدعى الأمر مباغتة هؤلاء والإيقاع بهم قبل تزايد خطرهم واستعمال قوتهم.
كما أن الاستيلاء على ما في مصر من ثغور وسفن سوف يمكِّن المسلمين من إخضاع مدن الشام الشمالية الواقعة على البحر المتوسط، والتي كانت لا تزال تقاوم المسلمين، ففتح مصر ضرورة حربية ملحة تكميلا لفتح بلاد الشام؛ لأن الإمبراطورية البيزنطية كانت تسيطر على الشام ومصر وبلاد المغرب، وتلك البلاد - عسكريا - تعد منطقة واحدة؛ إذ أن فتح جزء منها يستلزم فتح الأجزاء الأخرى نتيجة للتعرض للصدام مع عدو واحد يحتلها.
من الفرما.. إلى حصن بابليون
بعد موافقة الخليفة عمر رضي الله عنه والمجلس العسكري على فتح مصر وخطة الفتح، تحرك الجيش الإسلامي بقيادة عمرة بن العاص رضي الله عنه وتحت قيادته دون أربعة الآلاف مقاتل ولما بلغ المقوقس مجيء جيش المسلمين إلى مصر أرسل جيشا لملاقاة عمرو، فتلاقيا على الفرما فكان أول قتال، والفرما: مدينة من أقدم الرباطات المصرية بقرب الحدود الشرقية لمصر، وكانت في زمن الفراعنة حصن مصر من جهة الشرق فتقدم عمرو إلى الفرما وبها جموع فقاتلهم فهزمهم
الفتوح بعد الفرما..
قرر عمرو أن يكون هدفه الأول هو حصن بابليون؛ فهو أكبر هذه الحصون وأحصنها، ومكانه على الساحل الشرقي لنهر النيل، فموقع حصن بابليون لم يكن عبثا، وإنما كان عن اختيار حربي سديد ثم أتى عمرو ( بلبيس) فقاتل حاميتها نحواً من شهر، حتى فتح الله عليه حوالي 9 من شهر جمادى الأولى 20 هـ 24 أبريل 641هـ. ثم سار لا يدافع إلا بالأمر الخفيف حتى أم دنين (مسافة 70 كيلومتراً) مسيرة يومين، فقاتل الروم بها قتالا شديدا، وأبطأ عليه الفتح فكتب إلى عمر بن الخطاب يستمده، فأمده بأربعة آلاف تمام ثمانية آلاف فقاتلهم
بطبيعة الحال بلغ المقوقس، وهو حاكم مصر من قبل الدولة البيزنطية وكان مقره بالإسكندرية، قدوم عمرو بن العاص بجيشه، وكان يتابعه وهو يتحرك على أرض مصر، فتوجه من الإسكندرية إلى حصن بابليون لملاقاة المسلمين، وكان على الحصن قائد من الرومان عُرِفَ بالأعيرج وقيل الأعرج (ويبدو أن هذه صفة له ولم تكن اسما بالمعنى الصحيح)، وكما جاء الخبر إلى المقوقس سيروس كذلك جاء خبر قدوم عمرو بجيش من المسلمين إلى البطرك بنيامين المختفي في صعيد مصر، فكتب إلى القبط على أرض مصر يعلمهم أنه لا يكون للروم دولة، وأن ملكهم قد انقطع، ويأمرهم باستقبال عمرو!! ولعل بنيامين قد علم بمعاملة المسلمين لأهل العراق والشام، فليس غريبا - بل منطقيا - أن ينحاز بالقبط إلى جانب المسلمين.
الزحف إلى الإسكندرية، ومعاونة الأقباط للمسلمين!
بعد سقوط حصن بابليون في أيدي المسلمين أقاموا به، ثم كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – يستأمره في الزحف إلى الإسكندرية فكتب إليه عمر يأمره بذلك . وقد استخلف عمرو بن العاص على ما فتح خارجةَ بن حذافة السهمي، وسار على رأس من معه.
فخرج إليهم عمرو بن العاص من بابليون متوجها إلى الإسكندرية فلم يلقَ منهم أحدًا حتى بلغ ترنوط فلقي بها طائفة من الروم فقاتلوه قتالاً خفيفًا فهزمهم الله ومضى عمرو بن العاص بمن معه حتى لَقِيَ جمع الروم بكوم شريك، فاقتتلوا به ثلاثة أيام ثم فتح الله للمسلمين، وولى الروم مدبرين .
إنشاء الفسطاط
تقع الفسطاط في إقليم مصر على ساحل النيل في طرفه الشمالي الشرقي، قبل القاهرة بحوالي ميلين، وعليه نشير إلى أن عمرو بن العاص حينما عزم على التوجه إلى الإسكندرية، أمر بنزع فسطاطه الذي ضربه قرب حصن بابليون فإذا فيه يمام قد فرخ فأقره كما هو.. وحينما فتح المسلمون الإسكندرية أراد عمرو بن العاص اتخاذها عاصمة ودار هجرة للمسلمين. فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في ذلك، فسأل عمر رسول عمرو بن العاص : هل يحول بيني وبين المسلمين الماء؟ فأجابه: نعم. فكتب عمر إلى ابن العاص أن يرحل عن هذا المكان لأنه لا يريد أن يحول بينه وبين المسلمين الماء، لا في الصيف ولا في الشتاء.
فتحول عمرو بن العاص إلى موضع فسطاطه القديم وذلك حينما استشار أصحابه أين ينزلون فأشاروا عليه بالنزول في هذا الموضع، وكان مضروبًا في موضح الدار التي تعرف بدار الحصى عند دار عمرو الصغرى، ثم انضمت إليه القبائل وتنافست في المواضع، واختط عمرو المسجد الجامع الذي عرف بتاج الجوامع، وكان حوله حدائق وأعناب، وقام عمرو بنصب الحبال مع أصحابه حتى استقامت، وقد اشترك في وضع قبلة المسجد من ثمانين صحابيًا، واتخذوا فيه منبرًا ثم اختط الناس بعد اختطاط المسجد الجامع، ونزل المسلمون الفسطاط بعد تمصيره سنة 21هـ. وقد وُفِّقَ عمرو بن العاص في اختيار الموقع الاستراتيجي بناء الفسطاط سياسيًا وجغرافيًا، فالموقع الذي ضرب عليه عمرو فسطاطه كان موضعًا لمدينة قديمة اندثرت ثم ازدهرت ثانية مع دخول الإسلام لمصر، وإنما بنمط معماري جديد وبحياة وحضارة جديدتين، حتى أصبحت الفسطاط مع هذا كله مدينة جديدة زاهرة بكل ما يجعل شأن العواصم كبيرًا.
أثر الفتتح الاسلامي على أوضاع الأقباط
1- الإعلان بين الناس جميعًا أن لا إكراه في الدين، وأن حرية العقيدة أمر مقدس، فلن يتعرض لأحد في حريته أو ماله بسبب دينه أو مذهبه، وخيَّرهم بين الدخول في الإسلام والبقاء على دينهم، فمن يدخل في الإسلام يكون له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، والواقع أن عمرًا انتهج سياسة المساواة الدينية بين المذهبين النصرانيين اللذين استمرا في مصر، وتذكر روايات المصادر أن كثيرًا من كنائس الملكانيين فضلوا البقاء في مصر؛ وأن أسقفا ملكانيًا بقي على مذهبه حتى مات ولم يمسه أحد بأذى.
2- تحسنت حالة الأقباط وزادت ثرواتهم بسبب إهتمام المسلمين بهندسة الري، واطمأنوا على أرواحهم وممتلكاتهم ومستقبلهم، ونعموا بالهدوء والاستقرار، وازدادت ألفتهم بالمسلمين مع مرور الوقت ودخل كثير منهم في الإسلام.
وخلاصة القول:
لو لم يأتِ الإسلام لظلت مصر ميتة بين الأحياء